-1- |
تحيّة ... و قبلة |
و ليس عندي ما أقول بعد |
من أين أبتدي ؟ .. و أين أنتهي ؟ |
و دورة الزمان دون حد |
و كل ما في غربتي |
زوادة ، فيها رغيف يابس ، ووجد |
ودفتر يحمل عني بعض ما حملت |
بصقت في صفحاته ما ضاق بي من حقد |
من أين أبتدي ؟ |
و كل ما قيل و ما يقال بعد غد |
لا ينتهي بضمة.. أو لمسة من يد |
لا يرجع الغريب للديار |
لا ينزل الأمطار |
لا ينبت الريش على |
جناح طير ضائع .. منهد |
من أين أبتدي |
تحيّة .. و قبلة.. و بعد .. |
أقول للمذياع ... قل لها أنا بخير |
أقول للعصفور |
إن صادفتها يا طير |
لا تنسني ، و قل : بخير |
أنا بخير |
أنا بخير |
ما زال في عيني بصر ! |
ما زال في السما قمر ! |
و ثوبي العتيق ، حتى الآن ، ما اندثر |
تمزقت أطرافه |
لكنني رتقته... و لم يزل بخير |
و صرت شابا جاور العشرين |
تصوّريني ... صرت في العشرين |
و صرت كالشباب يا أماه |
أواجه الحياه |
و أحمل العبء كما الرجال يحملون |
و أشتغل |
في مطعم ... و أغسل الصحون |
و أصنع القهوة للزبون |
و ألصق البسمات فوق وجهي الحزين |
ليفرح الزبون |
-3- |
قد صرت في العشرين |
وصرت كالشباب يا أماه |
أدخن التبغ ، و أتكي على الجدار |
أقول للحلوة : آه |
كما يقول الآخرون |
" يا أخوتي ؛ ما أطيب البنات ، |
تصوروا كم مرة هي الحياة |
بدونهن ... مرة هي الحياة " . |
و قال صاحبي : "هل عندكم رغيف ؟ |
يا إخوتي ؛ ما قيمة الإنسان |
إن نام كل ليلة ... جوعان ؟ " |
أنا بخير |
أنا بخير |
عندي رغيف أسمر |
و سلة صغيرة من الخضار |
-4- |
سمعت في المذياع |
قال الجميع : كلنا بخير |
لا أحد حزين ؛ |
فكيف حال والدي |
ألم يزل كعهده ، يحب ذكر الله |
و الأبناء .. و التراب .. و الزيتون ؟ |
و كيف حال إخوتي |
هل أصبحوا موظفين ؟ |
سمعت يوما والدي يقول : |
سيصبحون كلهم معلمين ... |
سمعته يقول |
( أجوع حتى أشتري لهم كتاب ) |
لا أحد في قريتي يفك حرفا في خطاب |
و كيف حال أختنا |
هل كبرت .. و جاءها خطّاب ؟ |
و كيف حال جدّتي |
ألم تزل كعهدها تقعد عند الباب ؟ |
تدعو لنا |
بالخير ... و الشباب ... و الثواب ! |
و كيف حال بيتنا |
و العتبة الملساء ... و الوجاق ... و الأبواب ! |
سمعت في المذياع |
رسائل المشردين ... للمشردين |
جميعهم بخير ! |
لكنني حزين ... |
تكاد أن تأكلني الظنون |
لم يحمل المذياع عنكم خبرا ... |
و لو حزين |
و لو حزين |
-5- |
الليل - يا أمّاه - ذئب جائع سفاح |
يطارد الغريب أينما مضى .. |
ماذا جنينا نحن يا أماه ؟ |
حتى نموت مرتين |
فمرة نموت في الحياة |
و مرة نموت عند الموت! |
هل تعلمين ما الذي يملأني بكاء ؟ |
هبي مرضت ليلة ... وهد جسمي الداء ! |
هل يذكر المساء |
مهاجرا أتى هنا... و لم يعد إلى الوطن ؟ |
هل يذكر المساء |
مهاجرا مات بلا كفن ؟ |
يا غابة الصفصاف ! هل ستذكرين |
أن الذي رموه تحت ظلك الحزين |
- كأي شيء ميت - إنسان ؟ |
هل تذكرين أنني إنسان |
و تحفظين جثتني من سطوه الغربان ؟ |
أماه يا أماه |
لمن كتبت هذه الأوراق |
أي بريد ذاهب يحملها ؟ |
سدّت طريق البر و البحار و الآفاق ... |
و أنت يا أماه |
ووالدي ، و إخوتي ، و الأهل ، و الرفاق ... |
لعلّكم أحياء |
لعلّكم أموات |
لعلّكم مثلي بلا عنوان |
ما قيمة الإنسان |
بلا وطن |
بلا علم |
ودونما عنوان |
ما قيمة الإنسان |
ما قيمة الإنسان |
بلا وطن |
بلا علم |
ودونما عنوان |
ما قيمة الإنسان
لمحمود درويش |